الخميس، 3 نوفمبر 2011

لأن الواقع قبيح ..

فتحت النوافذ، أزلت الستائر عنها، ومضيت أتأمل، ما إن كانت حركة السيارات بالأسفل دليلاً قطعيا على وجود الحياة؟ وما إن كانت دليل على انسانيتنا التي لسببٍ ما توقفت عن الإيمان بها؟  هل الصرخات المنبعثة من المظلومين في محطات انتظار العدالة تأكيد حقيقي على وجود الظلم؟ وما إن كانت الضحكات التي تبدر من المترفين دليل على استحالتها من الوصول إلينا؟

جلست على المقعد الوثير هناك، أنفث همي

لأن الواقع قبيح، اتخذت عدد من الأصباغ الملونة ورحت أدهن الحوائط جميعها حتى اقتل صمتها البارد واضفي الى العالم الخاص بي بعض الحماس بدلاً عن هذا الجمود، رسمت عليها فراشات جميلة تُرفرف وفي الركن البعيد هناك رسمت حمامات بيضاء تضج بالحرية، وبالأسفل عشب يملئه الإخضرار وتملئه الحيوية، وهناك ينبوع تنساب منه المياه كخيوط حريرية، وفي لحظة خاطفة التفت الى الخلف حتى أبلل الفرشاة بيدي بلونٍ زاهي يساعدني على تلوين جديد، وإذ بالحائط بعد عودة أنظاري إليه، تحول الى أرضٍ جدباء تنبعث منها الحرائط من كل مكان، والفراشات والطيور، قد سقطت أرضاً دون رحمة.

لأن الواقع قبيح ارتبطت بعلاقة وثيقة مع مسجل الصوت الخاص بهاتفي، أسجل به شكواي بين الأحيان وابثه الدموع الكثيرة، حتى يخيل لي أحياناً بأني أتحدث مع شخص بروح حقيقية يمد يده لي بالدفء والحميمية، وأبدأ أستمع الى الإحباط الذي كنت عليه يوماً  وأشفق على ذاتي الكسيرة. ثمة غصة مهيبة تقتل بي الرغبة بالحياة، ثمة شعور متبلد يجعل الأيادي تتسلل الي لتصفعني بصفعة حتى أعود الى وعيي وأنا معهم بينما تكون عيني في تلك الأثناء ترمق  الخواء.  أتأمل ضحكات الناس من حولي وما إن كانت اختراق للطبيعة البشرية المعروفة، وما إن كانوا هؤلاء الناس ممثلين؟


حتى إني وفي لحظة فاصلة عن الزمن، استخرجت كافة الثياب القاتمة لأستبدلتها بأخرى ملونة علها تضفي الى الحياة شيئاّ من البهجة، ما إن رغبت برميها عني بعيداً، حتى بدأت تصب عينيها المنكسرتين بي وما إن كنت متأكدة بأني سأتخلص من ثياب تعبر عن السواد الذي يصطبغ بداخلي؟

حين لطخت شفتي بأحمرار قاني، وجدت إني أخدع نفسي وإن هذه البقعة المتمركزة على شفتي، كذبة اختلقتها لأوهم الناس وأوهم ذاتي بأني انسانة سعيدة وهذا الأحمرار هو الدليل على ذلك الأمر .. يا لبئس هذا الدليل.




في إحدى الليالي التي كنت بها أتأبط يأسي مررت على شارع خاوي رغبت أن أودع إليه بعض الإحساس، وإذ بالهاتف يرن من رقمٍ أجهله يخرج من أعماقه صوت إمرأة بدت لي غامضة.

-          منى؟
-          نعم؟
-          لديك سقف من الأحلام التي تحدها بعض القيود
-          ...
-          وفي صوتك انكسار يبثني بالشفقة عليك
-          ..........
-          وجانبك العاطفي مربك، دعيني أراك حتى أخبرك بما يجب عليك أن تفعليه.

وانتهت المكالمة

وقفت في المنتصف، أرقب رجلي المرتجفتين، وأسأل إن كان جميع المارة هنا يدركون ما حصل لي للتو؟ أو ان الجميه ها هُنا يدركون جيداً ما أمر به؟



***

 لأن الواقع قبيح دفعت أصابعي الى الكتابة قسراً، لرغبتي بحياةٍ من ورق أشكل أبطالها وأحداثها وصدفها كما أريد .. وفي ذات الليلة فقط  .. حلمت بغريبة تمد يدها لمصافحتي بحرارة، وبعد أن أزالتها .. رأيت انها اقتلعت أصابعي .. وأصبحت بيدٍ عاجزة عن الكتابة، وانتشلت من بين يدي الشيء الوحيد الذي أملك ايماناً مطلقاً بوجوده.


رحت أتأمل أصابعي المبتورة، وأسأل ذاتي ما إن كان مصدر ابداع المرء يبدر من يده، أو من عقله الذي يمده بالأوامر لصناعة مجد عالي، وما إن كنت فقدت الإبداع الى الأبد، ان كنت قد بلغت أصلاً مرحلة الإبداع؟ وأنا التي لا أدرك ما يكون؟


مزقت أحد أكمام القميص، ولففته بعناية حول الأصابع المبتورة، وخرجت الى الشوارع أجوب بها بحثاً عن من يساعدني في هذه المحنة. في الزاوية هناك كان هناك طفلاً يدور حول السيارات طمعا بأن يشتري أحد منه صحيفة، بينما كان المارة يشيحون بأيديهم في وجهه ليبتعد، بيد أن الجرائد تأخذ مصائب الناس لترهق بها آخرين يقرؤوها.



في المستشفى، اسمع صرخات الأمهات العالية إثر ولادتهم لأطفال مجهولين الأب، لا تزل أمهاتهن يستعرضن الأسباب الكثيرة وراء هروب ذلك السفاح حين فعل فعلته وهرب، والطفل؟ بمجرد ما يخرج رأسه الى الحياة ويتمعن الأعين العاتبة على وجوده ينكمش على نفسه، ويدب في قلبه الخوف، ويبكي هو الآخر في محاولةٍ عسيرة منه لأن يشيحوا عن أعينهم هذا الملام، والدكتور الذي ينفث الإرهاق من بين فتحتي أنفه التي تبدو وفي أي لحظة ستبعث شرار القهر، حتى الممرضات هُن الأخريات مللن من ذات السيناريو، أن يشهدوا على ولادة طفل بريء سيتحول بعد سنين الى طاغية ظالم سيكون سبب في قتل الكثير من الأطفال الأبرياء؟

تصلبت شراييني وأنا أرقب كافة تلك الأحداث بأعينهم، وأنا التي أتيت الى هُنا بحثاً عن أمان وعمن يداوي لي أصابعي المبتورة ويأتيني بأخرى أمارس بها العدالة في تلك الحياة.


وأثناء ترقبي اسمي يظهر من بين قائمة المرضى المنتظرين، جاء رجل ببزة ثمينة، ودهس بأرجله على فرص الفقراء ودخل على الدكتور لمعالجة هم الوالي، فخرج فوراً معه متناسياً المحتضرين بالخارج وهو يترقبون منه دواء.




هذه الحياة جاءت لتمنح فرصها الكثيرة لأشخاصٍ لم يرهقوا ذواتهم بجهد كبير، ولم يتحملوا التعب الذي حمله الصبورين فوق أكتافهم، هذه الحياة جاءت لتصنع من الطفل الرضيع ديكتاتور مستقبلي، وتصنع من الوديان المخضرة أرض قاحلة جدباء تفتقد المياه والورود الكثيرة.

كل شيء هنا يتقلب وفق أسس لا تحمل العدالة وبذات الوقت ينتظرون أن تنبت الأرض عدالة ومساواة وهم الذين لا يؤمنون بهذه الكيفية.

كيف للأنفس الضالة أن تصل الى الجنان وهي التي نضجت في دولة غابت بها العدالة؟


عدت الى بيتي سريعاً ومسكت السكين وقطعت بقية الإصابع السليمة، هكذا أفضل، فالإصابع التي ارهقها طلب الحقوق أصبحت بالية، ووجودها ليس سوى " لفتة جمالية " نخدع بها الناس بأننا مثل معظم الآخرين نملك أصابع ونملك قدرة صوتية عالية.








الثلاثاء، 18 أكتوبر 2011

غصة تجاهل

كان من أبرز الأصدقاء الذين أودع لديهم كافة الأسرار الخاصة والتي لا يعلم بها أي أحد، فالثقة والأمان التي  يبثها لي تقفز فوق كل الحدود والإطارات التقليدية التي لا تفعل إزائها الفتاة سوى أن تستثمرها لصالح ذاتها ولصالح العلاقة النادرة، التي تربطها بشخصية مريحة تغمسها في بقعة من الأمان.

 في التجمعات العائلية والمجالس التي تجتمع بها العائلتين، لم نكن نخجل من توضيح كم الإنسجام الذي نحن عليه والذي كان يقربنا الى حد يودع الشكوك الكثيرة في نفوس الفتيات اللاتي يضمرن  حباً لصديقي، وابن خالتي بذات الوقت " صيب "،  والذي كان بالمقابل لا يبادلهن أي شعور، وتأكدت من ذلك بعد اعترافه بأنه يبحث عن تلك النادرة التي يرغب بأن يمنح قلبه كاملاً إليها دون أي تردد.


-          تصدقين أنا جربت أحب مرة، بس البنت على كثر ما كانت حلوة ودلوعة وتشوق على كثر ما كانت وحدة تافهه، أحس لو يحصل لي افتح عقلها بلقاه أبيض !

-          " قهقهة " ليش متوقع بتكون مدرسة لغة عربية، ولا بتحاضر فيك بالسياسية، كل واحد وعلى قد تفكيره واهتماماته يا صيب !

-          لا بس خلينا نكون واقعيين، الواحد يحتاج ساعات يكون مع انسان يفكر معاه، يخطط معاه، يستفزه بالنقاش، يتحاور وياه في أمور موجودة بالديرة يمكن يحاولون اثنينهم يسوون شي لها،  مو أنا ورفيجاتي، احنا وشاليهنا، وسويسرا وأمي، اوكي وبعدين؟


-          خلك خلك من هالسوالف، حبيتها؟ " بغمزة "

-          حبيت ويها، كانت تشبه هذي شانيا توين، ولا جان ما ضيعت دقيقة معاها، ويع ويع، تذكرتها واهيا شلون تتصنع الدلع، انزين اذا اهيا حلوة خلقة، ماله داعي كلش تلوي حنجها عشان تعشمني فيها، والله انتوا البنات مصيبتكم مصيبة.

كلما كُنا نختلف أنا وأمي على موضع، تعارض به قناعاتي وتتهمني به بقلة النضج والحيلة كنت الجأ اليه دون أية تردد.

-          يعني البنت اذا تبي تدش مجال تحبه صارت وحدة مو زينة؟ - بعبرة -

-          ليش تقولين هالكلام عن نفسج، بعدين يا حبيبتي لا تقعدين تبجين خلاص، خالتي معاها حق، ترى اهيا مو ضدج ولا وحدة ما تبي مصلحتج، كل الموضوع إن المجالات اللي تختارينها في اختلاط بين الشباب والبنات بطريقة فيها وايد ميانة، ووسط مثل هذا ممكن الواحد ما يفهم طبيعة دورج فيه بنفس الإسلوب اللي انتي تبين الناس تفهمج فيه، لا تكبرين المواضيع.





مترادفات الحب التي كانت تتردد على لسانه بعفوية مطلقة، لا يقصد بها أي عاطفة نحوي بأي شيء سوى الود، وذات الأمر حين أربت على ظهره كلما لمحت الضيق بعينيه. كان هناك نوع من أنواع الطهر والبراءة تلف صداقتنا النفية ولا شيء دون ذلك.


في ذلك اليوم، وحين حاولت الحديث معه كما اعتدنا، حصل وان خرج من الصالون الى الخارج للذهاب، لم أتصور مطلقاً بأن الأمر كان يعنيني، الى أن استوقفته حتى أبادله التحية، وجحدني بنظرة مطولة غامضة وأدار وجهه عني وذهب.

اتصل به مراراً وأجده لا يرد إلا بعد عناء، حتى الرسائل التي كان يبعث لي إياها بالوقت الذي أشعر به بحاجتي له أصبح لا يكتبها لي، والرسائل التي ابعثها أنا أضحت من الرسائل التي لا يرد عليها فوراً، حاولت مراراً أن افكك في ذهني كم هذا الطلاسم الذي حل على ابن خالتي، وهو الذي يرتبط بي ايما ارتباط.

لا أدري ان كان الأمر يتعلق بعاذل نصب ذاته بيننا وأحال كل ما كان جميلاً بالأمس، لكنه بالمقابل ليس من اولئك الذين يتمسكون بالحجة دون دليل وبرهان، وإن كان الأمر بسببٍ؟ لماذا انا الى اليوم لا أعرف شيء عن هذا السبب ونحن الذين اعتدنا أن تكون مثل الكتاب المفتوح؟ أم ان العاطفة ناحيتي بدأت تهدأ؟ في الصداقة هناك لا عواطف تموت اذا ما تعززت؟ فتاة جديدة؟ هو الذي يخبرني بكافة أسراره وخبايا علاقته فما الداعي الذي سيجعله يصمت هذه المرة عن التصريح عن شيء يربطه بأخرى؟ وإن كانت هناك فتاة في حياته لما سيكون وجودها خطراً علينا؟

كل الإحتمالات تبدو سخيفة عندما تقف أمام رابط يجمعنا كجمود الجبال في قوته و في صد العاذلين، كل الإحتمالات تبدو سخيفة أمام شيء اعتاد أن يصد السخف من كل جوانبه، الى اليوم ما زال التجاهل يرهقني جداً ويسبب لي الكثير من التيه.


لعل التجاهل أحياناً يعبر عن الإهتمام الكثير، لعله يعبر عن الرغبة في الهروب الأبدي الذي لا يقبل بأي رجعة، لكن ما العلة في من ينسحب من منتصف الطريق ويفر راحلاً دون أن يترك أثر أو تنويه عن سبب ما يشعر به؟ هؤلاء البشر بنوعٍ كهذا لا يحملون في قلوبهم أي نطفة احساس، كيف لهم ألا يفكروا في الأشخاص الذي يتركونهم في دوامة أسئلة لا تحمل أي جواب؟ كيف يعلقون رقابهم على شفا هاوية يدركون جيداً إن الأرض المتزعزعة أسفل أقدامهم ستتحطم؟

والى اليوم أبصر ظهره الراحل في كل مرة أحاول بها أن أتقدم لأحطم هذا الغموض، والحكايا؟ أصبحت مبتورة ما بينه وبينه، كلما تحدثت وجدته وقد أنصب سبابته في وجهي طالباً مني السكوت لرغبته في الذهاب الى موعدٍ مستعجل.

في كل مرة أحاول التركيز بها بعينيه، أرى شيئ لا تألفه عيني، أرى وجه خالي من أية ملامح اعتدت أن احفط تفاصيلها، هذا الرجل بلباس رجل لا أعرف من يكون، ودون أي عذر؟ وان كان قبيح؟ فهذا كل ما يفقدني الصواب.



لم يعد يرغب بالمكوث معي في مكانٍ منفرد، عندما تتسلل عينيه علي في أحد غرف منزل العائلة الكبير، أو حين نتواجه صدفةً في أحد الأسواق أو محلات المقاهي، كان يعمد أن يرمي غموضه في وسط حضني ويرحل دون أي رغبة في منحي فرصة حديث، نتصارح بها عن هذا الخطب الغريب.

فكرت مراراً، ما إن كان الإعتراف ســـ يحل كل شيء؟ ما إن كان الحديث معه بصراحةٍ لا تحمل مراوغة عن تصرفاته الجديدة التي باتت تزعجني جداً سيأتي بالسر؟، ما إن كان سؤاله مباشرة عن الخطأ الذي اقترفته سيأتيني بالجواب الذي أرهقت ذاتي طويلاً في معرفته، لكن جل ما يخبرني به احساسي، هو أن أصمت، وأترك هذا الإجحاف بيديه حتى ينصفه بعدالة عادلة !!


وفي إحدى المرات:

-          واااو صيب حدك زوغة اليوم فيك شي متغير، ها من ورانا
" وقد كانت محاولة مني لإذابة الجليد "

- فكينا زين !

وفر هارباً .. من جديد .. وأوجعني هذه المرة !


ئ

الخميس، 22 سبتمبر 2011

فساد الود، كل القضية

كلما لمحنا مختلفاً عن صفاتنا أتهمناه بالشاذ، كلما تعارضت قناعاتهم مع قناعاتنا البسناهم الخطأ وتركنا رداء الحق لنا، كلما جاء كبير بتصرفٍ مخجل أشرنا أصابع الإتهام الى طفولته التي لم يتلقن فيها أي أصل من أصول الخلق والدين. ونحن الذين لم نفكر للحظةٍ واحدة ما إن كان الخطأ الأكبر يعود الى سوء تقديرنا للبيئة الذي جئنا منها والتي أتوا هُم منها والتي خلقت هذا الإختلاف الكبير بيننا وبينهم.

تعلمنا في الصغر إن التحلي بالأدب والخجل وجميل الخلق هو الأساس وإن التصرفات الأخرى ما هي الا اقتحامات خارجية كونتها قاعدة لا تنتمي إلينا مطلقاً، وإن السوء حين يأتي، يأتي من أصحاب الضمائر البالية التي لم تطلها التربية السليمة مُطلقاً. من يفسر لنا فساد ما يقوم به أصحاب من تربى على الخلق المستقيم إذاً؟



قد يكون هذا المختلف عنا في صفاته قد كان له والدان ساراه من قبله على خُطاه، وإنهم وحين كانوا يفعلون ما يفعلونه كانوا يخبرونه بأن تصرفاتهم خالية من أي عيب وأي عار، وإنها هي التي يجب عليها أن تبقى مجتمعياً لصحتها الغير مشكوك بها أبداً، وبقية الأشياء تزول، لـــ نجد الآخرين يأتونهم ويتهمونهم بالإنحراف عن الصحة، وتتصاعد حجة الإثنين في ظل إستبقاء فكر أجداده.

لعلنا مُنحنا الفرصة ليكون لنا تعليم ودراسة وأصول دين، تعلمنا من المدارس إحترام الكبير والصغير وأهمية تلقي العلم في نهضة البلد والأمم الأخرى، وإن الفرد إن جاء الى الحياة لابد أن يترك له بصمة حتى لا يدهسه الناس ويطمسون ذكره، وإننا وفقاً لهذه المساحة التي غرسوا بها دروسهم إلينا، أصبحنا لا نفوت أمراً الا واستوقفنا طويلاً لدى أي قناعة، لكن هُم .. من أفهمهم الفارق بين الصحة والخطأ؟ أولئك الذين لم يجدوا من ينبههم والذين لم تمنح إليهم مساحة فكرية عارمة تساعدهم على التفكير والتحليل وإتخاذ القناعات الخاصة، هؤلاء المسيرين دون هدى؟

إذا بأي أساس أطلقنا الأحكام العشوائية ونحن الذين نجهل تماماً ظروف حياتهم وما إن حظوا بطفولة تم غرس المباديء الكثيرة بها؟

الإختلاف هو جوهر انسجام الفردين مع بعضهما الذي يتم بأساسه تآلف مجتمع - لا يرغب بأي تعاون نظراً لطبقاته وتحيزاته الكثيرة- . نحن الذين نتعلم يومياً ان الإختلاف بالرأي لا يفسد للود قضية، ووجدنا أن أولى مشاكلنا تتعلق بالود الذي لا يرغب أي واحد منا أن يتخذه في حياته مع الآخر، ومن ثم اختلاف تأكيدي على هذه الصورة.

المخطيء لا يبصر الخطأ الذي يقترفه لأنه بنظر ذاته لا يؤدي الا شيئاً تربى على مزاولته كثيراً، ومقدار الخط يكون وفقاً لقياس المختلف في القناعات عنه، هو الذي يتهمه بالإنحراف فقط لأنه لا يأتي بما يأتي هو به، وتضيع كل وجميع القناعات.


المتطرفون هم أشخاص ظنوا إنهم يسيرون على طريق الحياد، لكن ما أن يبدئوا التحدث حتى تجدهم وقد مالوا على طرفهم دون أن يستخدموا أي كلمة توحي " بالتعصب " بقدر ما تخرج من أفواههم دفاعات شتى لا تهدأ في مدى جمال الطرف الذين يتمسكون فيه ومدى الراحة التي يبثها الى الفئة التي تتخذه شراعاً.

بغير المنطقي أن ينسى الفرد تربيته السليمة وينحرف عند أول إشارة تأتيه، لكن المؤثرات الجانبية مثل وجود المتطرفين في كافة الأمكنة الى جانب شعور الفرد بالراحة الفكرية حين يتواجد معها دون سواها قد تأثر بالشكل العميق جداً، لكن أرى إن التطبع بإمكانه التغلب على الأطباع الرئيسية وبذلك نجد تداخلات غير مستحبة تسبب لنا في نبوغ القواعد المتحيزة المزعجة

الغاية، بأننا لا نملك أي دليل قاطع على سبب الأفكار التي أثرت على فكر هذا الفرد الذين نقوم عليه حرب إتهامات بمدى سوء تقديره، الى متى علينا التفكير بالمقلوب؟

الثلاثاء، 23 أغسطس 2011

الدخيل التالي




كانت الحيرة تستبد بي، من ضيقِ أسئلة لم تعد الإجابات التقليدية كافية لها،ووجوه لم يعد النظر إليها يبث الراحة القديمة، فــ جلست هناك أنفث تساؤلاتي الكثيفة، وأرقب دخانها وهو يتداخل في جزيئات هواء .. يلفظها

أطلقت العنان لقدمٍ رغبت منها أن تأخذني الى أية مكان، شريطة أن يكون بعيداً عن هنا، بعيداً عن بقعة أوجاعي الكثيرة، وحكايا الم لا تنفك تعصف بما تبقى من راحاتي .. فوجدت ذاتي في مقهى، يمره العابرون ولا يستوطن به أحد.

كنت أمرغ سبابتي في بن القهوة وأعبث به، وأرسم بنفسي الحياة التي أرغب أن تكون لي، وأخدع بها دجّالة تأتيني لــ تروي لي ما رويته أنا قبلها في بن الكوب الخاص بي، حتى دخل هناك ذاك الرث بملابسه الباليه، وروحه الموجوعة، وخطواته المتثاقلة، يجلس هناك في المدى البعيد ويقلب نظراته على يديه الجامدتين من أية حراك يّذكر.

تقدمت إليه وسألته عما دخل معه في عراك دموي جعله بهذا المنظر البائس، وما إن كان له أعداء أمتصوا ما لديه من كرامة وحس عالي في الحياة .. فلم أرقب إلا دمعاته وهي تبلل السطح الخشبي الذي فصّلنا.

رأيت بهذا الإنسان شيء يشبهني لم أدركه، ولم أستشف وجوده من بين الكلمات التي رماها بإهمال على سطح المنضدة هناك وأوجعتني، قال لي:

بإمكانك اعتباري الناجح الذي تخلى العالم دون تمهيد عن خدماته حتى أطرحوه ذلك الفاشل الذي لا يستفاد من  أعماله ولا نشاطاته التي اعتادت أن تكون خارقة للمألوف والعادة، حاولت العودة مجدداً الى المجد الذي تركته لكن رأيت أن الطريق أمامي طويل وإن الحياة قد تكون أقصر من أن أمضيها خلف حلم لم يعد يرغب بوجودي، فــ قررت الإبتعاد حتى أترك فجوة ضخمة تنبه هؤلاء عن المكانة التي صنعتها بنفسي وخلقت من خلفها التغييرات الجمة التي لم يعد أحد يلحظها بقدراتي.

تركت البلد وأمضيت أعوامي الكثيرة في غربةٍ سمحت لها بأن تأكل روحي، ومع ذلك صمدت ولم أهتم بالعودة، المكوث في الغربة خير من العودة لديارٍ غير مُنصفة تذكرني كل يوم بأني فائض عليها وإني الفرد الذي لم يعد وجوده يفيد.

كنت أعمد على إدارة المحطات بما لا يأتي على ذكر بلدي، كنت أعمد على تجاهل الأخبار التي تصلني منهم، لكني وحين علمت بالمآسي التي تحدث إليه كل يوم، استفاق في داخلي مواطن، رغب بالعودة وإعادة السلام الى البلد الذي سّلمني صك مواطنته.

حين سمعت عن غدر الجار إليه لمحت معصمي فرأيت الدمامل الكثيرة تحوطه، وحين تلقيت خبر السرقات، فتحت محفظتي لأرى النقود وقد تلاشت من مكانها، كان يموت، وكنت أرى الدماء تلطخ يدي كلما تحسست بها روحي الذي لم تعد تشعر بأي شيء سوى بالوطن.




قررت العودة الى هناك لكني وحين زرت مقر العمل الخاص بي، وجدتهم قد استبدلوني بآخر، لا يملك أي كفاءة لــ يدير وطن مثل وطني الذي عرفته شامخاً منذ حييت، لكنهم ومع هذا فعلوا على أية حال. حاولت المطالبة بحقوقي في العودة لكني سرعان ما وجدت ذاتي على العتبات أطلق الأسئلة الكثير عما يسبب لي كل هذا البؤس المتزمت.

بدأت أرتاد المقاهي، كنت أبحث عن وجوه يملأني حباً وروائح تنتشل مني إصرار الإغتراب وتسحبني مجدداً الى المكوث بالوطن. شيئاً مثل هذا لم يحصل أبداً سوى المزيد من الرفض.

بدأت أزوره بين الفينة والأخرى، وحين أفعل ذلك، أفعلها متنكراً حتى لا يبصر شوقي الكثيف إليه .. وأبدو إليه ضعيفاً

لم يفتني سؤاله عن اسمه فقال بعد تنهيدة ..  أنا .. أنا .. الوطن !

قال مستدركاً: وأنتِ؟


أنا التي يجتاحني السؤال المُر عن الشخص الذي انتشلت مكانته دون وجه حق، أنا التي بحث عنك طويلاً لأستجلبك الى مكانك الأصل، الى أن أجبته بإبتسامة صفراء: أنا البديل الذي لا يزالوا يعتبرونه دخيلاً.

الأربعاء، 22 يونيو 2011

حقيقة " دايت " لا يكتمل !

في كل مرة أنجح فيها من خطف جهاز المشي في النادي قبل أن تخطفه قبلي أي مشتركة أخرى، وأعلق بأذني سماعات برنامج الآيبود الملحق في الموبايل،  تنقلاً ما بين أغنيات جينيفر لوبيز وأسماء المنور وأشعار عبد الرحمن بن مساعد المحفوظة بقلبي قبل الجهاز، أتذكر كلمتها تلك التي لاحت بذهني طويلاً حينها وملأتني إصراراً بالتغيير، اصرارٌ من ذاك النوع الذي لا يلبث أن يبتعد سريعاً فور أن تسألني إحدى قريباتي عما أرغب بــ طلبه من المطعم، ليسري من فمي ذاك الطلب اللعين الذي تنطق فيه روحٌ أنانية لست مسؤولة عنها تماماً
" أبي مايتي زينجر " !
لطالما امتلكت في طفولتي جسداً هزيلاً غائبة فيه الملامح والتفاصيل، ولا يميزه أي شيء، سوى طولاً فارع، كان محل تعليقات كثيرة من زميلاتي الكثيريات في المرحلة الإبتدائية، حينما كانوا يتهمونني بأني كبيرة في السن ولست بأعمارهن وإني أعي ما لا يعون من عوالم الناضجين، لكن ما إن شرعت في دخول المرحلة المتوسطة، بدأت جسدي يمتلأ شيئاً فــ شيئاً حتى بلغ مراحل لم أظن مطلقاً أن أصل اليها، حتى الحد الذي رغبت فيه فعلاً باتخاذ أي شريط لاصق وتثبيته على فمي حتى لا أسمن أكثر.
قلت في ذلك الحين صديقة مقربة لي بأني أنوي ريجيماً حقيقياً " ولحد يناقشني " ، أتجنب فيه الإكثار من تناول الأطعمة التي تحتوي على البقوليات والسكريات ويجنبني خطف أكياس أطفال العائلة من " سويت فاكتوري " ، مع تجنب المشروبات الغازية بلا أدنى شك، حتى أنجح في فقد ما اكتسبته وأعود كما كنت، " الطويلة الضعيفة " التي لا تهاب أن يسبب لها باعة المحل أي صدمة حين يخبرونها بأن مقاسها، غير متوفر !
 ومع أولى عثرة لي، قالت لي " وين الرجيم مالج؟ " ومع ثاني عثرة لي " وانتي هذا انتي؟ كله مسوية ريجيم؟ وثالث العثرات " هذا انتي من عرفتج وعرفتيني وانتي مسوية ريجيم " أصابتني بإحباط شديد، جعلني أبتاع الثياب ذي المقاسات الضيقة، دافعاً لي لأفقد الوزن وتحفيزاً عظيماً لقدراتي الشحيحة فيما يتعلق بالصبر أمام المأكولات الطيبة، والى اليوم محاولاتي تأخذها الرياح وتنثرها في العدم عبثاً.

من حولي قصص كثيرات، من فقدن أوزانهم بجدارة ومن الهث خلفهن دائماً وأبداً لسؤالهن عن النظام الغذائي الخاص بكل واحدة منهن على حدة، والذي أدونه سريعاً وأحتفظ به مع بقية أوراق كثيرة كتبت عليها  منذ أزمان ما يأتي دوما على السنة الدكاترة من نصائح تغذوية، أملاً بأن أعمل بها!
قبل ملكة أختي بشهرٍ، كانت قد زارت الدكتور طالب الشمري، الذي منحها نظاماً عذائياُ استطاعت من بعده أن تفقد ما يقارب الخمسة عشرة كيلو، في 50 يوم تقريباً، واتبعتها اختي التي تصغرها التي فقدت ما يقارب الــ 20 كيلوا – ما شاء الله – بمفردها دون مساعدة من أي قطب خارجي، لتناولها إصبع النقانق خالياً طيلة اليوم دون زيادة، أو تدليل آخر !

أما أنا كنت اللسان الذي يستمر في ترديد الرغبة بالريجيم، والروح التي تضمر النية بذلك، بلا أي فعل حقيقي.
رغم وزني الذي لا يتعدى الــ 67 كيلو غرام لطولٍ يساويه بالمقدار بعد إضافه المتر بقربه وتبديل الوحدة القياسية، إلا إني أتوق فعلاً لرؤيتي هزيلة، بوجنتين بارزتين، وأنف حاد، وجسد هزيل، كم أتوق لرؤيتي بالمقاييس الإسبانية الجذابة !


في النادي هناك، تلك الفتاة الرياضية السمراء، ذات الجسد المتناسق الحيوي، وذات التمارين التي تقوم بها بكل جدارة وهمة عالية، رجلٌ مشدودة، ويداً بــ عضلات؟ أقسم إني لم ارى الى اليوم كويتية بهذا الحال " الأوفر " صحي .. تقدمت الي وسألتني إن كانت قد اكتسبت سمنة بعد آخر مرة رأيتها بها قبل أربعة أيام:

-          أربع ايام تخليج متينة؟ بدور عسى ما شر أخاف فيج هوس رشاقة؟
-          يحق لي والله أخاف على جسمي، لأني تعبت عليه وايد
اتسعت عيني دهشة وتحفز فضولي ليعرف المفاجآت التي ســ تتفجر بعد تلك الكلمة تحديداً
-          شلون تعبتي عليه يعني؟ فهميني أكثر؟
- ليش انتي ما تدرين اني كنت متينة؟

وقفت تبجيلاً واحتراماً لها طبعاً، لأني فاشلة بقدر عظمتها بانقاص وزنها
-          يعني متينة شكثر؟  كنتي 70 ؟ 80 ؟
-          ويييييي الله يخليج يا منى، أنا كنت 120 ..
لولا وجود حائط بخلفي، لـــ تزحلقت رجلي من هول الخبر وسقطت على الأرض متكومة ..

الهمتني جداً قصة بدور، الفتاة التي اختارت أن تكون رشيقة بعدما ضاقت ذرعاً من عدم توفر مقاسها في كافة المحلات التي تعشق أن تبتاع منها، المحلات التي لم تراعي نفس هذه السمينة وهي تشعر بأن العالم بأكمله يرفضها، ويرفض سمنتها.

الزبدة ..
أريد أن أفقد ما يقارب الــ 15 كيلو، من يمد لي يده لكي ننجح في تأليف فريق " يصك " على ذا بيغيست لوسير" .. وننجح في نشر ثقافة الرشاقة في كافة الميادين؟

وشكراً





الأربعاء، 20 أبريل 2011

صـــديقتي تــتزوج

كانت من نوع الفتيات الطيبات اللاتي يحملن في ملامحهن صبغة من النضج والخلق العظيم، كما كانت وبالإضافة الى مميزاتها الكثيرة ذكية، جميلة العقل، لا نراها إلا في المركز الأول في كل حفل من حفلات التفوق التي تكرم به المدرسة طالباتها الفائقات.
ومع هذا، وعند سؤالها عن أي تخطيط مستقبلي نراها وقد إفترشت ذات المخطط التقليدي، معدل عالي، جامعة، ومن ثم الزواج من إبن الحلال وبناء إسرة جميلة تكون بها وزوجها، أولياء أمور جيدين لا يوفران إلا المناخ الجيد والتربية السليمة لأبنائهم المستقبليين.
في أُثناء أوقات الفراغ كنا لا ننفك الحديث عن الحب ووجوده في وقتٍ مكلف كهذا، وكانت لا تتوانى من إخباري عن إبن الجيران الذي تراه على الدوام يقف عند منزله والذي ينتظر قدوم باص مدرستها ويطمأن على عودتها، قبل أن يشرع الدخول الى بيته وفي قلبه تتراقص طيور حبٍ من رؤية الفتاة التي تشي عينيه بأنه يحبها حباً جماً
نتحدث عن مستقبلنا البعيد، وعن الحياة الكريمة التي تنذرها الإيام لنا، عن أسماء ومواصفات الرجال الذين نتمنى الإرتباط بهم، عن نظرتنا للحب ومشتقاته وأحاسيسه ودواماته، عن المفاجآت التي نخطط عليها منذ لحظتنا تلك والتي نرغب فعلاً في تطبيقها مع هذا الرجل المستقبلي القادم لا محال.
كانت رومانسية الى حدٍ مخيف، كما لو كانت ستخر سقوطاً على الأرض بمجرد أن يخبرها أحدهم "أنتِ جميلة" كنت أخاف عليها جداً من أن تصدم بواقع الشباب، هذا الواقع الذي سيدمر لها شعور الرومانسية والعاطفة التي تختزله مشاعرها النقية، ذلك الواقع الذي لن يوفر لها قصص كالتي تحدث في الأفلام والتي تبكي على أحداثها يومين متواصلين مثيلة: a walk to remember, notebook, ma7abetain, anjamaa anjamee  

كبرت صديقتي، وإنخرطت في أجواء الجامعة التي صعقت من حدتها وجديتها والتي تختلف كلياً عن الحياة التي آلفتها في الثانوية، هناك فتيات جريئات، متبرجات، لا يحملون الحياء من الحديث مع الدكاترة بأسلوباً يفتقر للأدب والذوق ورفعة الأخلاق، كما كان هناك شباب، رأت بداخلهم "تصابي" رغم ظاهرهم الجدي والمكتنز لــ كثير من الرجولة الظاهرية.
رغم سنواتها الأربع هناك، كانت وفي كل حديث تخبرني عما كان هناك من مشروع خطبة أو زواج قريب، كنت أجيبها بأن أوضاعي تختلف، وفتاة مثلي قد شق القدر طريقه بطريقها، لا تفكر بالزواج بقدر ما تطمح أن تكون سيدة ذات تأثير إيجابي وعالي في المجتمع، والتي تعمل على موضوع كهذا وتجتهد به كثيرا، كانت ترى إن الطموح وإن علا لابد عليه أن لا يزيج فكرة الزواج عن المرأة في مجتماعتنا الشرقية، وإن العلم والطموح والمعرفة هي أدوات تستخدمها المرأة لــ تحظى بفرص زواج مميزة، ومع محاولاتي الكثيرة لإقناعها بنظرتي التي تختلف كلياً عن فكرتها، كانت لا تزال تصر على فكرة كــ فكرتها.

-          المرأة العربية مظلومة في جميع الميادين وهي وإن كانت ناجحة، يظل يراها المجتمع جريئة بــ تصرفاتها وجرأة مثيلة غير مقبولة لدينا وبذلك هي تخسر العديد من فرص الزواج !

-          الرجل الذي يرى إن المرأة عار بمجرد إن كافحت لأجل أن تأثر التأُثير الإيجابي بالمجتمع، فــ هو رجل يحتاج الى إعادة فكر وأهلية

-          نحن عرب، ورجالنا شرقيون ذات تفكير شرقي متزمت

-          والمرأة العربية اليوم لم ولن تتنازل عن شرقيتها، وهي وإن فكرت بالتفوق والتميز لا تمارس الى حقها

-          دعينا نفض هذا النقاش "لكم دينكم ولي دين"

ونختم حواراتنا الدائمة بنقطة إختلاف هائلة، نتفق فيها على إننا صديقات لا يفرق بيننا شيء.

وجدت رسالة منها على سطح هاتفي، تخبرني فيها عن توقعاتي للخبر الذي جائت به، وعند إنسحابي من إبداء أي رأي أو محاولة لــ شوقي الكبير لمعرفته قالت:
-          إنخطبت وزواجي في نهاية الشهر
-          إبن الجيران؟
- لا .. فقط تزوج منذ شروعي الجامعة !
اليوم، أنا أسأل نفسي، هل إبن الجيران كان يحب بها طفلة الثانوية البريئة ونفر من فكرة طالبة الجامعة الذكية، هل مارس هو شرقيته التي رفضت أن يكون أقل "شهادة" وعلم من الفتاة التي حلم بها كثيرا؟



الأحد، 17 أبريل 2011

تويتر أكثر من كونه "ويص ويص ويص"

قبل أن يتفشى الوجود الفعلي لــ موقع تويتر بين الناس، وقبل أن يتهاتف عليه هذا الكم الهائل من المشتركين من مختلف الأعمار والأجناس، كنت قد علمت بوجوده من خلاله أحد البرامج الأمريكية المعنية بأخبار فنانين هوليوود والذي كان يخصص فقرة منفصلة من وقته، يغطي بها أقاويل وكلمات المشاهير في موقع المغرد وما يأتون به من أمور شخصية تمس حياتهم.
لم أقتنع كثيراً حينها، خاصة من بعد ما سألت ذاتي هذا السؤال " ما الذي سأتحدث بشأنه في مساحة ضيقة محاصرة بعدد محدد من الحروف " ؟ وأمرا آخر، هو لأني أملك عدد من الإشتراكات في مواقع الكترونية مميزة إرتأيت إنها قد تغنيني فعلاً عن تواجد جديد في العالم الأكتروني الكاسح.
إلا أن أتى ذلك اليوم الذي بلغني فيه حوار ثلاثة فتيات " في الأفنيوز"  كن قد إتفقن المجئ الى السينما خلال هذا الموقع واللاتي لم يحتجن الى أية تأكيد تلفوني بعد ذلك على هذا القدوم، وما زاد بي الحماس حديثهم الذي أستمر الى ما يقارب الخمسة عشرة دقيقة عن أعماق " السايت، ومدرود قال، وأصايل كتبت" !

لــ تنهال علي من فورها فكرة زيارته للتثقف أكثر عن هذا الموقع الذي لا يحمل في موجبه الا ميزة واحدة تقريبا، "كتابة ما يأتي على لسانك في أقل من 140 حرف" فتحت الموقع ودونت إيميلي ورموز سرية خاصة بي، لأجدني بعد أن بلغني إيميل يبشرني بأن الحساب قد تفَعل، أتفرس شاشة الحاسب بكل جوارحي في رغبة صادقة لأعرف وأعي "شــ سوي الحين؟" !

إنهلت باللحقاق  بداية على عدد من المحطات التلفزيونية والإذاعية ،  وعلى أسماء كثيرة من أشهر الإعلاميين والكتاب، و على الحسابات المعنية بالمدونين العرب،  لأدرك من خلالهم "الطبخة" التي تقودني الى فهم هذا العالم الشاسح الضيق – إن صح التعبير_ وإستفهام مداركه.

مرت الأيام سريعا، لتبدأ قطاعة فعلية بيني وبين موقع الفيس بوك الذي وجدته – فجأة – غير مسلي أبدا من بعد ما كنت أنقر دخولا إليه في الخمسة دقائق الواحدة، ما يقارب الثنتي عشر مرة رغم معرفتي بأن شيئا لم يتغير هناك.

إزدادت ساعات مكوثي على موقع التويتر، أقرأ ما يأتي به المغردين من حكايا وقناعات، بتحفظ مني على عدم التعليق على أحدهم، حتى أثبت وجودي أولاً من بينهم، وأفهم سر المتعة الذي بدأت تتسلل إلي منه.

والآن من بعد ما مرت علي قرابة الستة شهور في الموقع، بدأت أسأل نفسي فعلا، "كيف هي الحياة دون وجودك يا تويتر" هذا العالم المؤلف من أحرف لا تتعدى المعقول قد ساهم في تغيير الكثير من القناعات المتعلقة بالحياة، من خلال دكاترة ومحاضرين التنمية البشرية، قد أقحمني في الوجود السياسي بمفاهيمه الصحيحة، قد قربني من الكثير من المشاهير الى حد مسافة خيالية لا تتعدى الدقيقتين، الأولى أرسل بها سؤالاً والأخرى أتلقى بها الجواب السريع، تويتر منح لي الفرصة لــ تكوين صداقات عديدة جميلة، قد ساهم في إزدياد القرب بيني وبين الصديقات وتعمق الفهم بيننا، تويتر عرى أمامي توجهات البعض وأفكارهم الخاصة، بالإضافة الى التواجد الفعلي في متغيرات العالم من خلال نافذة صغيرة لا تتعدى مساحتها بضعة سنتيمترات !

ساعدني هذا الطائر الأزرق الرقيق في منحي الكثير من الفرص الجميلة، التي كافحت من أجلها سابقا كثيرا، موقع تويتر هو ذاك الموقع الذي تكون خلاله في مجابهة فعلية مع العالم وأنت في منزلك !

ومني الى كل من يجهل هذا الوجود، أن يسارع في إقتحامه حتى لا يأتيه في وقت، قد تسلل إليه الملل وأصبح "مليق" !