كلما لمحنا مختلفاً عن صفاتنا أتهمناه بالشاذ، كلما تعارضت قناعاتهم مع قناعاتنا البسناهم الخطأ وتركنا رداء الحق لنا، كلما جاء كبير بتصرفٍ مخجل أشرنا أصابع الإتهام الى طفولته التي لم يتلقن فيها أي أصل من أصول الخلق والدين. ونحن الذين لم نفكر للحظةٍ واحدة ما إن كان الخطأ الأكبر يعود الى سوء تقديرنا للبيئة الذي جئنا منها والتي أتوا هُم منها والتي خلقت هذا الإختلاف الكبير بيننا وبينهم.
تعلمنا في الصغر إن التحلي بالأدب والخجل وجميل الخلق هو الأساس وإن التصرفات الأخرى ما هي الا اقتحامات خارجية كونتها قاعدة لا تنتمي إلينا مطلقاً، وإن السوء حين يأتي، يأتي من أصحاب الضمائر البالية التي لم تطلها التربية السليمة مُطلقاً. من يفسر لنا فساد ما يقوم به أصحاب من تربى على الخلق المستقيم إذاً؟
قد يكون هذا المختلف عنا في صفاته قد كان له والدان ساراه من قبله على خُطاه، وإنهم وحين كانوا يفعلون ما يفعلونه كانوا يخبرونه بأن تصرفاتهم خالية من أي عيب وأي عار، وإنها هي التي يجب عليها أن تبقى مجتمعياً لصحتها الغير مشكوك بها أبداً، وبقية الأشياء تزول، لـــ نجد الآخرين يأتونهم ويتهمونهم بالإنحراف عن الصحة، وتتصاعد حجة الإثنين في ظل إستبقاء فكر أجداده.
لعلنا مُنحنا الفرصة ليكون لنا تعليم ودراسة وأصول دين، تعلمنا من المدارس إحترام الكبير والصغير وأهمية تلقي العلم في نهضة البلد والأمم الأخرى، وإن الفرد إن جاء الى الحياة لابد أن يترك له بصمة حتى لا يدهسه الناس ويطمسون ذكره، وإننا وفقاً لهذه المساحة التي غرسوا بها دروسهم إلينا، أصبحنا لا نفوت أمراً الا واستوقفنا طويلاً لدى أي قناعة، لكن هُم .. من أفهمهم الفارق بين الصحة والخطأ؟ أولئك الذين لم يجدوا من ينبههم والذين لم تمنح إليهم مساحة فكرية عارمة تساعدهم على التفكير والتحليل وإتخاذ القناعات الخاصة، هؤلاء المسيرين دون هدى؟
إذا بأي أساس أطلقنا الأحكام العشوائية ونحن الذين نجهل تماماً ظروف حياتهم وما إن حظوا بطفولة تم غرس المباديء الكثيرة بها؟
الإختلاف هو جوهر انسجام الفردين مع بعضهما الذي يتم بأساسه تآلف مجتمع - لا يرغب بأي تعاون نظراً لطبقاته وتحيزاته الكثيرة- . نحن الذين نتعلم يومياً ان الإختلاف بالرأي لا يفسد للود قضية، ووجدنا أن أولى مشاكلنا تتعلق بالود الذي لا يرغب أي واحد منا أن يتخذه في حياته مع الآخر، ومن ثم اختلاف تأكيدي على هذه الصورة.
المخطيء لا يبصر الخطأ الذي يقترفه لأنه بنظر ذاته لا يؤدي الا شيئاً تربى على مزاولته كثيراً، ومقدار الخط يكون وفقاً لقياس المختلف في القناعات عنه، هو الذي يتهمه بالإنحراف فقط لأنه لا يأتي بما يأتي هو به، وتضيع كل وجميع القناعات.
المتطرفون هم أشخاص ظنوا إنهم يسيرون على طريق الحياد، لكن ما أن يبدئوا التحدث حتى تجدهم وقد مالوا على طرفهم دون أن يستخدموا أي كلمة توحي " بالتعصب " بقدر ما تخرج من أفواههم دفاعات شتى لا تهدأ في مدى جمال الطرف الذين يتمسكون فيه ومدى الراحة التي يبثها الى الفئة التي تتخذه شراعاً.
بغير المنطقي أن ينسى الفرد تربيته السليمة وينحرف عند أول إشارة تأتيه، لكن المؤثرات الجانبية مثل وجود المتطرفين في كافة الأمكنة الى جانب شعور الفرد بالراحة الفكرية حين يتواجد معها دون سواها قد تأثر بالشكل العميق جداً، لكن أرى إن التطبع بإمكانه التغلب على الأطباع الرئيسية وبذلك نجد تداخلات غير مستحبة تسبب لنا في نبوغ القواعد المتحيزة المزعجة
الغاية، بأننا لا نملك أي دليل قاطع على سبب الأفكار التي أثرت على فكر هذا الفرد الذين نقوم عليه حرب إتهامات بمدى سوء تقديره، الى متى علينا التفكير بالمقلوب؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق